تكريم المخرج المغربي الأمازيغي محمد العبازي بمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف

بعد تكريمها لمجموعة من وجوه السينما المغربية اخراجا وتشخيصا في الدورات السابقة، وقع اختيار ادارة مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في دورته الثامنة عشر، المزمع تنظيمها من 22 الى 30 يونيو الجاري، على رائد الفيلم المغربي في شقه الأمازيغي الأستاذ محمد أومولود العبازي، الذي يجر وراءه تاريخا طويلا من الممارسة السينمائية في أبعادها المختلفة. فيما يلي ورقة تعرف بأهم محطات هذا التاريخ الفني:

محمد العبازي: من «الطفل جوني» الى «يطو تيتريت»
محمد العبازي، المزداد سنة 1938 بمدينة الخميسات، مخرج سينمائي مغربي من جذور أمازيغية راكم على امتداد ما يقارب نصف قرن من الزمان تجربة سينمائية معتبرة في مجالات العمل السينمائي المختلفة، التصوير وكتابة السيناريو والحوار والاخراج والمساعدة فيه والانتاج وادارته أو تنفيذه… بدأ مشواره الفني بالتكوين السينمائي الأكاديمي الرصين في الجامعات الأمريكية بكاليفورنيا وهارفارد، وانتقل بعد ذلك الى الممارسة الميدانية حيث صور وكتب وأنتج وأخرج العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية الوثائقية والروائية. كما احتك بأسماء وازنة ابداعيا عن طريق العمل الى جانبها كمساعد مخرج أو مدير انتاج أو غير ذلك من المهام، ويكفي ذكر أسماء من قبيل المخرج السوري الأمريكي الجنسية الراحل مصطفى العقاد والمخرج الايطالي فرانكو زيفيريللي والمخرج البريطاني ريشار أتنبوروغ والمخرجين الأمريكيين روبير وايز وجون هيوستن للوقوف على مدى قيمة الخبرة التي اكتسبها وراكمها العبازي نظريا وعمليا .

من التكوين الى الممارسة الابداعية
كان من المنتظر أن يتابع هذا الشاب المغربي، بعد حصوله على البكالوريا في الرياضيات سنة 1960 من ثانوية مولاي يوسف بالرباط، دراسته الجامعية في الاحصاء، لكنه سرعان ما صرف النظر عن هذا النوع من التكوين ليلتحق بمدرسة الفيلم، موشن بيكتشر سكول، التابعة لجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلس ويحصل منها سنة 1966 على دبلوم في الاخراج.
لم يقنع العبازي بما حصله من معرفة سينمائية في هذه المدرسة الأمريكية بل عمل على تعميق تكوينه بمتابعة دروس ومحاضرات في هارفارد، الجامعة الأمريكية الأكثر شهرة، ليتخرج منها سنة 1969.
تعتبر الستينات من القرن الماضي بمثابة المحطة الأساسية والأولى في تجربة هذا المخرج المتواضع والبشوش دوما ، فبعد سنوات التكوين الجامعي الأولى أخرج سنة 1966 باكورة أعماله السينمائية بعنوان « الطفل جوني « ، فيلم التخرج، وتلى ذلك مباشرة انجازه لثلاثة أفلام وثائقية ، صورها وأخرجها لفائدة شركة الراحل مصطفى العقاد للانتاج وشركة الفنانين المتحدين للتلفزيون بالولايات المتحدة الأمريكية ، وهي : « حلم ميمونة « الذي صور بمدينة مريرت المغربية سنة 1967 ، و « احتفالات اسبانيا « ، صور باشبيلية وسراقوسة سنة 1967 ، و « فاسكو الصغير « ، صور بالبرتغال / الغارف سنة 1968 . كما صور وأخرج سنة 1968 أيضا ، لفائدة التلفزيون الدانمركي وشركة « نور فيزيون « ، أربعة أفلام وثائقية حول المراهقين المغاربة في مواجهة التقاليد الموروثة هي على التوالي : « العربي ابني « ، صور بمدينة تيفلت المغربية ، و « اتفاق « ، صور بميدلت ، و « عطلة مدتها ثلاثة أشهر « ، صور بالريصاني ، و « مرشد سياحي سري « ، صور بمراكش . وفي نفس الفترة أنتج وصور وأخرج بمدينة الدار البيضاء فيلمين آخرين هما : « رياضية ابنة رياضي «  ، سنة 1968 ، و» اليوم الطويل « حول الأمهات الخادمات سنة 1969.

احتكاك بالمخرجين العالميين الكبار
أتيح للسينمائي المغربي محمد العبازي أن يشتغل كمساعد مخرج أو مدير انتاج في مجموعة من الأفلام الأجنبية التي صورت ببلادنا أو خارجها ، نذكر منها على سبيل المثال العناوين التالية : « الرسالة « سنة 1970 للراحل مصطفى العقاد و « وينستون الشاب « سنة 1971 للأنجليزي ريشار أتنبوروغ و « تو بيبل « سنة 1972 للأمريكي روبير وايز و«الرجل الذي أراد أن يصبح ملكا» سنة 1975 للراحل جون هيوستن و«عيسى الناصري» سنة 1976 للايطالي فرانكو زيفيريللي و«ماركو بولو» سنة 1982 للايطالي جوليانو مونطالدو و«زمن اللصوص» سنة 1983 للأنجليزي تيري غيليام و«حلم بعد حلم» سنة 1984 للياباني كينزو و«اشتار» سنة 1985 لالين مي من الولايات المتحدة الأمريكية و«كيبيش ودوتز» للألماني ريشتر و«الديك الأحمر» سنة 1994 للسويدي ليبرمان و«أفريكا بيك» سنة 1995 للأنجليزي شون موسلي و«الحياة في الرمال» للأمريكي بيري كلارك …
والملاحظ أن الاشتغال مع الأجانب مكن محمد العبازي من الاطلاع عن قرب على مدارس سينمائية مختلفة ومتنوعة في الاخراج، الشيء الذي سيؤهله ماليا ومعرفيا للاقدام على انجاز أفلامه الروائية الطويلة بعد تأسيس شركته الخاصة «أفلام تغمات» سنة 1981 .

من المركز السينمائي المغربي الى مغامرة الفيلم الطويل
قضى محمد العبازي بعد عودته من الخارج واستقراره بالمغرب فترة قصيرة كموظف بالمركز السينمائي المغربي، الذي التحق به سنة 1978 كرئيس لمصلحة الانتاج، وفي هذه الفترة أشرف على تنفيذ انتاج فيلمين مغربيين طويلين هما: «السراب» للراحل أحمد البوعناني و«القنفودي» لنبيل لحلو. ومباشرة بعد استقالته سنة 1980 من هذه المؤسسة العمومية المشرفة على قطاع السينما ببلادنا وتأسيسه لشركته الانتاجية الخاصة أقدم على اخراج فيلمه الروائي الطويل الأول «من الواد لهيه» وشارك به سنة 1982 في الدورة الأولى للمهرجان السينمائي الوطني بالرباط. وبعد 15 سنة تقريبا أخرج فيلمه الروائي الطويل الثاني «كنوز الأطلس» سنة 1997 وحصل به على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في الدورة الخامسة للمهرجان السينمائي الوطني، التي نظمت سنة 1998 بالدار البيضاء. وفي سنة 2008، أي بعد عشر سنوات ونيف، أخرج فيلمه الروائي الطويل الثالث «يطو تيتريت»، يطو نجمة الصباح، الذى حصل على بعض الجوائز من بينها جائزة الزيتونة الذهبية لأحسن فيلم روائي طويل بالدورة العاشرة لمهرجان الفيلم الأمازيغي بتيزي وزو الجزائرية سنة 2010.

حصيلة فيلموغرافية جديرة بالتأمل والدراسة
ما يفوق خمسين عنوانا هو الحصيلة الفيلموغرافية لمسار سينمائي تجاوز الأربعين سنة، 1966ـ2012، جرب خلاله السينمائي محمد العبازي العمل مع الأجانب ومع الأطر التقنية والفنية الوطنية. وهذه الحصيلة الفيلموغرافية هي ما سمحت به ظروف الانتاج داخل المغرب وفرص الاشتغال المتاحة مع الأجانب، وهي حصيلة جديرة بالدراسة والتأمل للوقوف على جانب من تاريخنا السينمائي ، الذي لم يكتب بعد.
نعثر في هذه الفيلموغرافيا على أجناس فيلمية متنوعة ذكرنا بعض عناوينها سابقا ونذكر فيما يلي عناوين أخرى: «عالم سيزار روميروس» سنة 1967 و«أوتو بريمنجر» سنة 1971 و«أطفال التربية البديلة» سنة 1973 و«جاء الماء» سنة 1977 و«سرقة أبو الهول» سنة 1984 و«المغرب والبحر» سنة 1998 و«صحراء» سنة 2000….
ان صاحب هذه الفيلموغرافيا جدير بتكريم مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في دورته 18 لأنه من السينمائيين المغاربة الرواد الذين عملوا في صمت بعيدا عن الأضواء الحارقة أحيانا.

Top