شعار قسم مدونات

هل مهدت أفكار وثيقة "عباس-بيلين" الطريق أمام صفقة القرن؟

blogs يوسي بيلين و محمود عباس

علمونا أنه في السياسة لا شيء يأتي هكذا عبثًا أو اعتباطًا، فكل شيء مخطط له، وما لا يأتي اليوم يأتي بمزيد من التخطيط غدًا، وعليه يمكن قراءة ما اصطلح على تسميته صفقة القرن، مقارنة بما ورد في وثيقة عباس-بيلين؛ التي تبلورت بين أطراف فلسطينية يقودها محمود عباس، وإسرائيلية يقودها يوسي بيلين عام 1995، بعد مباحثات سرية امتدت لأكثر من عام، وعرفت باسم مشروع معاهدة قضايا الحل النهائي، حيث عُقدت اجتماعاتها على فترات متلاحقة في كل من القدس وقبرص وأمستردام وأوسلو ولندن وأثينا وباريس، وفقًا لتلك العبارة، واستنادًا إلى مجموعة من الأفكار التالية:

1- التفاوض حول بنود وثيقة عباس- بيلين لم يكن عملًا فرديًا أو اجتهادًا شخصيًا للسيد محمود عباس، فهو بصفته الاعتبارية في ذلك الوقت (عام 1995) لم يكن ليجتهد خارج النص أو خارج مسار منظمة التحرير الفلسطينية أو حركة فتح التي يتبوأ فيهما موقعًا قياديًا رفيعًا.

2- ما ورد في الوثيقة هو جزء من الفكر السياسي للسيد محمود عباس ومن يمثلهم في ذلك الوقت، وفي هذا الوقت، وليست مجرد أفكار أو تغريد خارج السرب.

3- صحيح أنه لم ترق تلك الوثيقة إلى صيغة اتفاق رسمي بين المنظمة و(إسرائيل)، لظروف مقتل رابين الذي كان مؤيدًا لتلك الأفكار، والانقلاب السياسي الذي حدث بعد ذلك في (إسرائيل) بوصول نتنياهو إلى سدة الحكم، لكن ذلك لا يمنع أن تكون جزءًا مهمًا من الموروث الفكري الذي بُنيت عليه صفقة القرن كما سنبين فيما بعد.

تسلسل أحداث مهم:

31 أكتوبر الإعلان عن الأفكار التي تضمنتها وثيقة عباس- بيلين.
5 نوفمبر 1995 قُتل إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك.
8 نوفمبر 1995 صدور القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
عام 1996 نقل المقر الرئيس للأونروا من فيينا بالنمسا إلى غزة، رغم أن غزة ليست عاصمة فلسطين أو عاصمةً للسلطة الفلسطينية.

تدعو وثيقة "عباس-بيلين" إلى إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وإلى إحلال هيئة دولية جديدة بدلًا عنها، "لتتولى عملية تأهيل اللاجئين والنازحين وتأمين استيعابهم في دول وأماكن إقامتهم الحالية"

وهنا يبرز سؤال مهم: هل مهدت الأفكار الواردة في وثيقة عباس- بيلين الطريق أمام اتخاذ القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟ بالنظر على المحاور التي تضمنتها وثيقة عباس- بيلين فإنه يمكن تقسيمها إلى قسمين على النحو التالي:

أولًا: قسم يتعلق بالعلاقات الثنائية بين السلطة و(إسرائيل)، وهي تلك التي تتناول المستوطنات، ومصادر المياه -خاصة بين السلطة وإسرائيل- والتنسيق الأمني، ولا يخفى على أحد يتابع ولو من بعد ما حققته (إسرائيل) في تلك القطاعات الثلاثة وخاصة فيما يتعلق بالمستوطنات وزيادة سرعة وتيرة الاستيطان في كافة مناطق الضفة الغربية وفي محيط مدينة بيت المقدس، وإجراءات التهويد المستمرة حتى اللحظة، وفيما يتعلق بالتنسيق الأمني فبحسب (إسرائيل) أن يصفه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه مقدس، ناهيك عن مئات المحاولات ضد مواقع وأفراد ومستوطنين صهاينة التي أحبطتها الأجهزة الأمنية للسلطة بحجة التنسيق الأمني المقدس. المعنى أن هذا القسم لم يكن بحاجة إلى تدخلات خارجية لإنجازه، وعليه فمن المتوقع ألا يكون مدرجًا فيما يسمى صفقة القرن، إلا من باب التأكيد على استمراره.

ثانيًا: قسم يتعلق بالشأن الدولي، وهي تلك التي تتناول موضوعات القدس واللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية أو حدود (إسرائيل).

 

هذه الموضوعات كانت بحاجة إلى تدخل دولي أو خارجي لإنجازها، وهو ما يبدو واضحًا من خلال سياسة إدارة ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، فالقرار بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومحاولات إنهاء الأونروا عبر التضييق عليها وتجفيف منابع دعمها المالي يبدو متفقًا تمامًا مع ما ورد في وثيقة عباس- بيلين، ففيما يتعلق بالقدس أشار النص الوارد فيها إلى أنه حيث أشار النصّ الوارد فيها "إلى أنه سيصار إلى توسيع حدود المدينة الكبرى لتشمل: (أبو ديس، والعيزرية، وسلوان)، وتستطيع السلطة الفلسطينية فيما بعد أن تتخذ من الأحياء الجديدة المستحدثة عاصمة ومركزًا إداريًا لها يصبح اسمها: (القدس AL-QUDS) بالعربية واللاتينية وليس (Jerusalem)، بينما تسمى بقية أنحاء المدينة القديمة بحدودها البلدية القائمة حاليًا (أورشليم JERUSALEM) منعًا لأي التباس، ويعترف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل".

 

وبعيدًا عن أن هذه التوجه كما يرى الإعلامي بمؤسسة الرسالة الفلسطينية (أحمد الكومي) يخالف قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، بشأن الوضع القانوني لمدينة القدس، ومن أهمها قرار رقم (181) الصادر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947م، الذي ينصّ على تقسيم فلسطين، وأن يكون لمدينة القدس كيانًا منفصلًا، ووضعًا مستقلًا خاضعًا لنظام دولي خاص تحت إدارة الأمم المتحدة، على أن يُعيّن مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية.

 

إضافة إلى قرار رقم (194) في 11 ديسمبر 1948م، الذي أكد ضرورة أن تلقى القدس معاملة خاصة ومنفصلة عن سائر فلسطين، ويجب أن توضع تحت السلطة الفعلية للأمم المتحدة. أو قرار مجلس الأمن الشهير رقم (242) لسنة 1967م، الذي نصّ على عدم جواز الاستيلاء على الإقليم بطريق القوّة أو الغزو، وعدم جواز ضمّ الإقليم أو اكتساب السيادة عليه، وبما أن القدس الشرقية والأراضي العربية قد احتلها الجيش الإسرائيلي، فإنه لا يسمح بأي تغييرات إقليمية لصالح إسرائيل، ويطلب سحب القوات المسلّحة الإسرائيلية من الأقاليم المحتلّة في النزاع الأخير.

 

فإن هذا التوجه الوارد في الوثيقة اعترافًا فلسطينيًا بالسيادة الإسرائيلية على مدينة القدس، في الوقت الذي لم يصدر فيه أي قرار دولي يعترف بذلك، استنادًا إلى القرارات المذكورة أعلاه، إلى جانب أن قرارات الأمم المتحدة المتعلّقة بالقدس لم تعط أي حق لـ (إسرائيل) في أي جزء من المدينة، لكن هذه الوثيقة أعطت (إسرائيل) الحق الكامل لها في القدس، وعملت على تقسيم السيادة عليها، أو بعبارة أخرى، أعادت رسم خريطة القدس.

 

لم تشر وثيقة
لم تشر وثيقة "عباس-بيلين" بشكل واضح إلى حدود الدولة الفلسطينية، باستثناء الإشارة في الفصل الخاص بـ "المبادئ العامة" إلى أن "العودة إلى حدود عام 1967، هي فكرة خيالية ملغاة"
 

فيما يتعلق بمسألة اللاجئين الفلسطينيين، ودون تفصيل منا في الموضوع، تدعو الوثيقة إلى إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وإلى إحلال هيئة دولية جديدة بدلًا عنها، "لتتولى عملية تأهيل اللاجئين والنازحين وتأمين استيعابهم في دول وأماكن إقامتهم الحالية". وهو بالضبط ما تفعله الإدارة الامريكية الحالية عبر تقليص الدعم للأونروا من جهة، وإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني من جهة أخرى لتقليص أعدادهم وإنهاء ملف اللجوء الفلسطيني، بما يعني تصفية القضية الفلسطينية.

وأما فيما يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية، فقد أعطت الوثيقة الطرف الإسرائيلي حق اختيار صيغة السيادة التي يجب أن تتمتع بها الدولة الفلسطينية الوليدة، بين سيادة "تتطابق مع تلك التي يتمتع بها الفاتيكان أو كوستاريكا، أو اختيار الارتباط مع الأردن بصيغة كونفدرالية يوافق عليها الأردن". وهو ما ظهر على السطح من جديد خلال الأيام القليلة الماضية خاصة فيما يتعلق بمسألة الكونفدرالية الفلسطينية الأردنية التي اشترط رئيس السلطة محمود عباس دخول (إسرائيل) فيها، وهو ما يؤكد تطور الفكر السياسي لدى رئيس السلطة فيما يتعلق بالكونفدرالية التي كانت تتبناها المنظمة منذ 1948 بحسب تصريحات نبيل أبو ردينة المسؤول البارز في المنظمة والسلطة، لتشمل كيان الاحتلال أيضًا، وهو ما لا يمكن فهمه حتى الأن إلا في حدود ما يروج له أنصار الرئيس عباس بأنه حنكة سياسية للرجل!

 

كما لم تشر الوثيقة بشكل واضح إلى حدود الدولة الفلسطينية، باستثناء الإشارة في الفصل الخاص بـ "المبادئ العامة" إلى أن "العودة إلى حدود عام 1967، هي فكرة خيالية ملغاة"، وهو ما يعني تخلي الوثيقة عن هذه الحدود واعتبارها غير واقعية وغير عملية، لوجود المستوطنات ولضرورة تبادل أراضٍ بحجم حاجات إسرائيل الأمنية والاستراتيجية. وهو بالطبع ما يفسر ضرورة اللجوء إلى الكونفدرالية مع الأردن كحد أدنى، أو بمشاركة (إسرائيل) على نطاق أوسع، يضمن عدم الخوض في تفاصيل الحدود الفلسطينية. ويبرز هنا سؤال مهم آخر: في ظل الحديث عن كونفدرالية فلسطينية أردنية، أين موقع غزة من هذا الأمر؟! سؤال لا تستطيع الجغرافيا الإجابة عنه، فهل تجيب عنه السياسة؟!