شعار قسم مدونات

عبد الرحيم الحويطي.. الرجل الذي صور مقتله صامدا

BLOGS عبد الرحيم الحويطي

"الديرة اللي غاب عنها سبعها واستأسدت فيها الخرانق حماتها"، هذا أكثر بيت شدني في قصيدة من الشعر النبطي قرأها عبد الرحيم الحويطي وهو يوثق يوما بيوم مشروع قتله، قتل بالتدريج المخطط له، بسبب أرضه التي رفض المساومة عليها من قبل ابن سلمان، حقيقة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد هل سيحرك علماء بيونسي وابن سلمان لاعتبار الحويطي شهيدا، أم سيقولون مثلما قال شيخ قبيلته المتزلف عليان الزمهري لصحيفة سبق السعودية هذه القبيلة لا يمثلها فرد واحد وجدد البيعة لابن سلمان وطاعة أولي الأمر، في الوقت الذي اشتعلت به منصات تويتر بوسوم تشيد بغبد الرحيم وما فعله في وجه الإغراء والإرهاب الذي تعرض له أبناء الخريبة من أجل استكمال مشروع نيوم.

المشروع الذي رصدت له السعودية 500 مليار دولار ليكون منارة مشروع رؤية 2030 ومنافسا لوادي السيليكون تكنولوجيا والجزء الثاني من المشروع لمنافسة للاس فيغاس وهوليود في الترفيه، سيقام على مساحة 26500 كيلومتر مربع على خليج العقبة والبحر الأحمر، وسيمتد ليسع مثلثا في مصر والأردن، والذي قال عنه ابن سلمان بأنه سيدر بعد انطلاقه أرباحا سنوية تقدر بـ 100 مليار دولار، وواجهت السعودية عقبة قبيلة الحويطات التي تمتد جغرافيا لتصل مصر والأردن، والغريب في الأمر أن القبيلة ورجالها قد استنكروا ترحيلهم رغم التعويضات السخية المبذولة خاصة وأن المساحة التي يحتاجها المشروع لا تدخل كلها ضمن نطاق وجودهم، والبرية غير عامرة أمامهم مما يشكل مساحة مثلى للمشروع دون اللجوء لترحيلهم.

معارضة أبناء القبيلة الذين يعتزم ترحيلهم ليست للمشروع بل هي للترحيل في حد ذاته، فقد قال عبد الرحيم بأن الخريبة وطنه لا غير، والذي لا يفهم في التفكير السلوكي القبلي لا يمكن له فهم موقف الرجل وأبناء قبيلته

لكن يبدو أن ابن سلمان يريد المنطقة كلها خالية تماما من أي ساكن، لإعطاء الأمن التام للقاطنين الجدد الذين سيعملون هناك من جنسيات قد يثير وجودها في الأراضي السعودية نعرات دينية لدى البعض، فلجأ ابن سلمان كعادته لكل الوسائل من أجل تنفيذ ما يريد، وما ندري بعد التهجير القسري الذي حكم بسببه الرئيس الراحل صدام حسين بالإعدام سيثير حقوق الإنسان لدى الدول التي تشارك في المشروع، أم أن البيع والشراء سيغطي دم عبد الرحيم الحويطي، المواطن السعودي الذي ترك زوجة وابنين وخسر حياته بسبب إرهاب دولته، وقد أشارت بعض تسريبات وول ستريت جورنال بأن مجموعة بوسطن الاستشارية في أمريكا متورطة في نقل السكان الأصليين للمنطقة، والأرجح أن ذلك بمباركة شخصية من ترمب الذي قال سابقا في قضية مقتل خاشقجي بأننا لو اتبعنا بعض المعايير لن يكون لدينا حلفاء، في إشارة لحقوق الإنسان، وقال إذا نظرتم لإسرائيل فستكون في ورطة كبيرة من دون السعودية، هل تريدون لإسرائل أن تغادر المنطقة؟ وقد ذكرت المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان السعودية بأن الميثاق الأممي الذي وقعت عليه السعودية عام 2007 ينص صراحة في المادة 10 منه على منع التهجير القسري للسكان الأصليين لأي منطقة أو إقليم دون الموافقة الحرة والمستنيرة من تلك المناطق مع ترك حق العودة مضمونا لهم.

في 16 من شهر يناير اجتمع عدد من رجال القبيلة التي تسكن المنطقة الشمالية للسعودية منذ مئات السنين مع مسؤول رفيع لتحميله رسالة لابن سلمان من أجل صرف النظر عن تهجيرهم من مناطقهم رافضين أي تعويضات مهما كانت قيمتها، وقد دشنت في 13 من الشهر نفسه حملة من أبناء القبيلة وصلت لآلاف التغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي ترفض الترحيل، في تفنيد واضح لذباب ابن سلمان الذين قالوا بأن عبد الرحيم رفض لوحده التوقيع على التنازل عن بيته، وأن الشرطة عاملته باحترام، وذهبوا إلى حد اتهامه برفع السلاح ضد الدولة.

وبالرغم من أن كل الفيديوهات توضح أن الشرطة لوحدها من كانت تطلق الرصاص على منزل عبد الرحيم إلا أن الذباب اتهموه بأنه هو من أطلق النار أولا، وكل مستمع جيد أو خبير بالسلاح سيسمع أن صوت الرصاص من جهة واحدة وبمعيار صوتي لعيار واحد، الرجل قبل موته وأثناء توثيقه للجريمة تنبأ بأنه سيقتل وستلقى بجانبه أسلحة ويصير إرهابيا، للتحذير من تصديق الرواية الرسمية للحدث، وهو فعلا ما حدث، وقد أردف بأنهم سيفعلون مثلما يفعل في مصر، حيث أن السيسي عندما هجر أهل سيناء بحجة التدابير الأمنية، كانت قوات الأمن تقتل الرجال وتلقي بجانبهم أسلحة ثم تصورهم كإرهابيين، والذي فعله السيسي يبدو فعليا أنه إخلاء لأي طارئ أمني من أجل مشروع نيوم، وربما سنشهد في قابل الأيام نفس الأمر في جنوب الأردن وهو المحطة الأخيرة لتنفيذ المشروع.

معارضة أبناء القبيلة الذين يعتزم ترحيلهم ليست للمشروع بل هي للترحيل في حد ذاته، فقد قال عبد الرحيم بأن الخريبة وطنه لا غير، والذي لا يفهم في التفكير السلوكي القبلي لا يمكن له فهم موقف الرجل وأبناء قبيلته، فهم أناس يعتبرون الصخرة الصماء في أرضهم موطنا لهم لا يتزحزحون عنه، وقد استنكر دعوات هنا وهناك عن التنازل من أجل الوطن، وهو يعلم جيدا أنه لا يتنازل للوطن، بل لاستقطاب أناس آخرين من جنسيات مختلفة، وتقارير عدة تشير إلى أن ابن سلمان سيمكن الإسرائيليين من العمل والسكن في مشروع نيوم في إطار التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، ويبدو أن الضمانات الاستثمارية تطلبت إخلاء المنطقة تماما من كل أشكال التهديد، وهذا ما جعل أبناء القبيلة يرفضون التنازل لصالح مستعمرين جدد حسب تعبير بعضهم في تغريدات غاضبة على تويتر.

الصور المتداولة للمنزل بعد اقتحامه من قبل قوات الأمن والحرس الوطني تظهر أحذية أطفال عبد الرحيم، وما ندري هل سيتكرر مشهد تعزيتهم كما فعلوا من أبناء الراحل جمال خاشقجي أم أنهم سيعتبرون أبناء إرهابي لا حقوق لهم، والمؤكد أن الجريمة التي راح ضحيتها رحيم ستزيد من حجم الهوة الكبيرة بين ابن سلمان وشعبه، المنقسم حديثا بين مرحب باللهو الذي حرموا منه سنوات وبين مستنكر لمحاولاته المستميتة من أجل تغريب المملكة على حساب تقاليد أهلها، والغضب الذي يسري الآن بين شباب المملكة لن تسكنه حفلات ماجنة هنا وهناك ودم عبد الرحيم لن يذهب سدى، وصدقا قال عبد الرحيم: الديرة اللي غاب عنها سبعها استأسدت فيها الخرانق حماتها.