طه عبد الرحمن من سؤال التّجديد إلى سؤال الائتمان

 إن القارئ الحصيف لفكر طه عبد الرحمن، يعي مدى الارتكاز على التجديد في المنهج لأجل تحقيق الإبداع في الفكر و السلوك، ويعي أيضا عمق التجديد في الرؤية الفلسفية التي تمتد من تجديد العقل إلى بلورة الأخلاقيات الدينية، فإلى الإئتمانية كأفق فلسفي يستوعب في ذاته البرنامج المنهجي و الفلسفي بدءا.
لذا، فإن قراءة فكر طه عبد الرحمن يجب أن تولي الأهمية إلى جوانب الاجتهاد و التجديد في المنهج الذي يفكر به العقل ويزن من خلاله مفاهيمه وتعاريفه وأدلّته، وروح المنهج هنا تقوم على آلية الوصل بين المنقول و المأصول في صورة منهجية إبداعية، كما يختص المنهج بالإفادة من قيم الماضي التي تنتج، والتفاعل إيجابيا مع المعرفة المعاصرة في فضاءات الثقافة المتنوعة . ويمكن لنا أن نتفكر سؤال المنهج في مستوى الطريق الذي نفهم به بنية التراث الإسلامي العربي. والطريق الذي نركب به منهجا لكيفية الاستفادة من الفكر الغربي وإنتاجيته المعرفية، لأجل هذا بلور طه مصفوفة من المفاهيم التي تشكّل ركائز المنهج عنده، مثل المجال التداولي وتقريب المنقول وإعادة إبداع المفاهيم والتكامل وفقه التأثيل ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن جهد طه عبد الرحمن ضمن هذا السياق في صميمه جهد منهجي، يبتغي الأخذ باليد إلى طريق الإبداع بخاصة في المجال الفلسفي .
أما بلورة الفلسفة الإئتمانية فيأتي في سياق مرور المشروع من وجه نظرنا بثلاثة مراحل أساسية :
أولاها : مرحلة تجديد العقل بالعدة المنهجية المنطقية والعلمية، واعتبار العمل الديني في صيغته التّزكوية نقطة انطلاق في مسار التجديد .
الثانية : وهي مرحلة بلورة مفهوم الأخلاقيات الدّينية كأداة لنقد مظاهر الحداثة الغربية، وكأداة لإعادة بناء التواصل الإنساني على أسس أخلاقية .
الثالثة : استواء أفق المشروع على سوق الفلسفة الإئتمانية، واتضاح ملامحها الجوهرية كرؤية إلى العالم، وكأداة منهجية للاشتباك النقدي مع صور الفصل بين الدّين وقطاعات الحياة، والاشتباك أيضا مع مدارس التّحليل النّفسي من لحظة البدايات الأولى مع فرويد إلى النهايات مع جاك لاكان .
لذا فإننا نروم بسط جملة من الأفكار الأساسية في هذه الحوارية مع مشروع طه عبد الرحمن وفي تينك الفكرتين اللتين تتعلقان بسؤال المنهج وسؤال الفلسفة الإئتمانية كلحظة تعبّر عن نضج الفلسفة الأخلاقية عند طه عبد الرحمن