English

 

الثلاثاء. يوليو. 10, 2007

شرعي » فتاوى الناس » مذاهب وحركات وأديان

 
   
روابط من إسلام أون لاين

مفكر شيعي مغربي: مصحف فاطمة ليس بديلا للقرآن

حوار - حسن الأشرف

Image
إدريس هاني

"على الشيعة والسنة أن يغيروا ما بأنفسهم قبل أن يدخلوا محراب الوحدة والتقريب، فإذا فعلوا ذلك سيجدون أنفسهم تلقائيًّا على أرضية مشتركة، وتصبح الوحدة مطلبًا يفرض نفسه" هذا ما أكده المفكر الشيعي المغربي إدريس هاني في حواره لإسلام أون لاين.

وأوضح أن فشل عمليات التقريب يرجع إلى أن "ثمة خللاً في تصور إشكالية الخلاف، وعدم استيعاب كاف لمحل النزاع"، مما يؤدي حسب تعبيره إلى أن الفكر التقريبي لن يغادر مكانه، وسيظل يكرر مقولاته ويستنفد أغراضه.

وشدد إدريس على أن "سبّ الصحابة مرفوض عند الشيعة، وأن الاستهزاء مسألة تتعلق بمواقف الشيعة من بعض الصحابة وليس كلهم"، موضحًا كذلك أن "مصحف فاطمة ليس بديلاً للقرآن الكريم عند الشيعة، فهو لا ينطوي على آية من قرآننا، وليس فيه ما يفيد الحلال والحرام، ولكن فيه أمورًا تتعلق بنبوءات"..

قضايا خطيرة تضمنها هذا الحوار، تفتح نافذة نطل منها على قناعات الشيعة في المغرب العربي، ورؤيتهم لمختلف القضايا الخلافية كقضية الأحقية بالخلافة، وعصمة الإمام، وكذلك مستجدات الأحداث في العراق وغيرها، وما يمكن أن تئول إليه عمليات التقريب بين الطائفتين الكبيرتين..

** بداية كيف ترون، كأحد أبرز الشخصيات الشيعية في المغرب العربي -خاصة والعالم العربي عامة- عملية التقريب بين السنة والشيعة التي يشتغل عليها بعض المفكرين والعلماء؟ هل من ملاحظات عملية حولها؟

- من حيث المبدأ، كل دعوة تهدف إلى رأب الصدع داخل الأمة، وتقريب المسافة بين المذاهب الإسلامية هي دعوة طيبة وإيجابية وقاصدة.

غير أنني ألاحظ للأسف أن الكثير من التقريبيين بدءوا في الآونة الأخيرة يعبرون عن شيء من الملل ونفاد الصبر، بل ويتساقطون -من حيث دروا أو من حيث لا يدرون- في شراك المواقف السلبية.

كل ذلك لأن ثمة خللاً في تصور إشكالية الخلاف وعدم الاستيعاب الكافي لمحل النزاع، ومعلوم أن الحكم يتفرع عن التصور للقاعدة المعروفة: الحكم على الأشياء فرع عن تصورها، فما دام ثمة خلل في الاستيعاب فحتمًا سيراوح الفكر التقريبي مكانه وسيكرر مقولاته ويستنفد أغراضه.

الخطاب التقريبي للأسف لم يتطور بالشكل الأرقى والواقعي وظل حبيس المثل والمجاملات وتطييب الخواطر، فما أن نبرح مؤتمراتنا حتى ننتهك الخطاب ونعود إلى ضلالنا الأول.

إن واحدة من مشكلات تأخر الخطاب الوحدوي هي فرع لطبيعة تفكيرنا ورؤيتنا للأشياء، فحينما تستبد بالفكر الإسلامي النزعة غير الواقعية، أيًّا كانت أصوله وقواعده والمدرسة التي تؤطره أو المذهب الذي يهيمن على مقولاته، فإننا لا ننتظر أن نخرج بمخطط واقعي في هذه الجزئية المسماة بفكر التقريب، على المسلمين جميعًا أن يحدثوا ثورة في صميم خطابهم، وعندها فقط سيدركون كم فعل الوعي الشقي فعلته في تاريخهم، وماذا خسروا بتفويت نعمة الوحدة عن رهاناتهم.. إننا لا ننتظر من الفكر التقريبي والوحدوي أن يكون على درجة استثنائية من هذه المعقولية والواقعية فيما تدبير المسلمين لشئونهم المعرفية والسياسية محكوم بالانفعالية والسلبية.

باختصار على الشيعة والسنة معًا أن يغيروا ما بأنفسهم قبل أن يدخلوا محراب الوحدة والتقريب، فإذا فعلوا سيجدون أنفسهم تلقائيًّا على أرضية مشتركة، وتصبح الوحدة مطلبًا يفرض نفسه على نحو الفورية؛ لذا تعين أن نحرر ملتقياتنا التقريبية والوحدوية من حالة الروتين والموسمية والحالة الكرنفالية؛ لأن هذا ينتهي مفعوله ولا يصيب الوعي الجمعي للأمة في الصميم.

إنني أعتقد بأن إشكالية الوحدة مرتبطة بمستوى نضج المجتمع ومستوى تمدنه؛ لذا تعين ألا يبقى النقاش في دائرة علم الكلام أو الفقه، بل يتعين تعدد المقاربات، السوسيولوجية والسيكولوجية والاقتصادية والجغرافية والسياسية وما شابه.. لأن الكثير من الحساسيات التي تعيشها مجتمعاتنا تحت عناوين طائفية لها نظائر فيما تعيشه في بؤر أخرى تحت عناوين عشائرية أو فئوية أو حزبية.

الأمر إذن يتعلق بتلبيسات طائفية تعتمل داخلها عناصر سوسيولوجية وسيكولوجية وسياسية أكثر مما هي كلامية وفقهية.. فالكراهية حينما تستبد بالاجتماع تستدعي كل العوارض وتنتحل كل العناوين.. لذا وجب تعدد المقاربات في بحث مشكلات الصراع الطائفي والمذهبي بين المسلمين. لأن الأمر في الحقيقة لا ينحصر في الصراع السني الشيعي، بل لدينا ما يكفي من أشكال الصراع بين أبناء المذهب الواحد بل العشيرة الواحدة، المسألة أبعد من كونها صراع مذاهب حتى لو كانت نتائج ذلك كارثية.

** هل ترى -أستاذ إدريس- الخلاف بين السنة والشيعة خلافًا عقديًّا، أم مبنيًّا أساسًا على السياسة؟ وكيف تبرهن على ذلك؟

- الاختلافات الجزئية بين المسلمين سواء أتعلقت بأصول الاعتقاد أو الفروع ليست سببًا كافيًا للخلاف.. لأن هذا النوع من الاختلاف يوجد بين المدرسة الكلامية الواحدة وبين أبناء المذهب نفسه، فحينما نقترب من التفاصيل نقف على ضروب من الاختلاف لا يفسد في الود قضية.

لكن السياسة فعلت فعلتها في تاريخنا وما زالت تفعل فعلها في حاضرنا؛ لهذا تحديدًا وجب أن تنهض إرادة سياسية حقيقية وناجحة لإعادة المياه إلى مجاريها.. لذا أتفق مع من يقول بأن السياسة فرقت بين السنة والشيعة فلتجمع بينهما السياسة أيضًا.

** تداولت كثير من المواقع الإلكترونية ووكالات الأنباء مؤخرًا حادثة مصورة لرجم كثير من الزيديين لفتاة عراقية زيدية أيضًا، طرحت عنها هذا المذهب، رجمها هؤلاء حتى الموت، فما تعليقك حول الموضوع هذا؟ أيصل التعصب الشيعي إلى هذا الحد؟

- لا بد ونحن نبحث قضية التقريب أن نبتعد ما أمكن عن شوشرة الإعلام وتضليلاته؛ لأنه ليس نزيهًا، ولأن الإعلام العربي فشل في رسالته التقريبية، وأضحى بؤرة لتأجيج المشاعر الطائفية؛ فالصور التي تنقل هنا وهناك في وسائل الإعلام لا تصلح دليلاً على شيء.

قبل فترة أظهر أحد النواب في البرلمان العراقي صورة لشخص معمم إلى جانب جثة معلقة، معتبرًا تلك الصورة وثيقة تكشف عن تورط رجال الدين الشيعة العراقيين في قتل وتعذيب السنة، والحق أنها لم تكن إلا صورة للسيد خاتمي في متحف السجون في طهران، والشخص المعلق مصنوع من الشمع.

لكن للأسف القناة التي استعرض فيها الشخص المذكور هذه الصورة لم تقف عند هذا التضليل، ولم تكشف حقيقة التزييف وربما التهريج الذي يخدم شيطان الفرقة، وحيث الذين يتحدثون بحماسة عن الفتنة الطائفية ليسوا في الأعم الأغلب ممن يعنى بالمسألة الدينية.

إنها بالتالي لعبة إعلامية وسياسية قذرة لا مروءة فيها ولا تقوى.. لذا لن أسلم بمثل هذه الأقاصيص التي تعرض في مواقع الإنترنت أو على شاشة التلفزيون، فالإعلام حينما يكذب ويكذب يكتب عند الله كذابًا.
 

لكن مع ذلك يمكنني أن أعلق على ما تفضلتم به.. وأحسبك تتحدث عن امرأة يزيدية وليست زيدية.. أولاً اليزيديون ليسوا شيعة، بل هم من حيث الاعتقاد على طرفي نقيض من الشيعة؛ وهم يُجِلّون يزيد بن معاوية "قاتل الحسين".. بل إنهم يبرئون إبليس من الذنب ويقدسونه، فالقضية إذن خارجة موضوعًا عن محل النزاع ولا علاقة للشيعة بها.

** لنتحدث عن قضية أخرى وهي اتهام السنةُ للشيعةَ بأنهم يستخفون بالصحابة ويسبونهم، كيف يمكنك أن ترد على هذه الاتهامات ردًّا علميًّا متجردًا؟

- السب مرفوض ومنهي عنه عند الشيعة، حيث كره الإمام عليّ لشيعته أن يكونوا سبّابين.. وأما ما سميتموه بالاستخفاف بالصحابة فإن الأمر يتعلق بمواقف الشيعة من بعض الصحابة وليس كلهم.. تلك عقيدتهم ورأيهم لا مجال لنكرانه، لكن هذا لا يعني أن الصحابة مذمومون عند الشيعة، حيث يمجدون الكثير منهم ويمدحونهم كما لا يخفى من متونهم، لكن هذا أيضًا لا يمنع من وجود تعبيرات هنا وهناك تنطلق من اللامسئولية، وتحول الموضوع إلى ضرب من الاستفزاز المذهبي المتبادل.

أيضًا الشيعة يستشكلون على بعض أعلام السنة حينما يستخفون بأئمة أهل البيت وينالون من سمعتهم.. فهذا ابن خلدون مثلاً يزعم في المقدمة أن أهل البيت شذوا في مذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به، وذاك أبو بكر ابن العربي في العواصم والقواصم يرى أن الحسين قتل بشرع جده، وذاك ابن تيمية في المنهاج يرى أن عليًّا كان يجهل الكثير من الأحكام الفقهية ومات وهو يجهل الكثير منها.. وهكذا دواليك.

لذا فإن الاستخفاف والنيل بشكل أو بآخر مما هو محل تقديس كل طرف ناتج عن أن المسلمين عاشوا حالة من العزلة جعلت بعضهم يستسهل النيل من الآخر، حتى إذا انفتحنا على بعضنا وجدنا في مظاننا ما يشكل حرجًا، فالمسألة طبيعية إذن، لما ننعزل وننزوي سنتصرف بلا مسئولية، لكن حينما نلتقي سنضطر إلى تصفية تراثنا مما من شأنه أن يحرج الطرفين، وتلك هي فضيلة الوصال، ومذمومية الانفصال.

** كيف يمكن -حسب رأيك- حسم مسألة الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة في قضية الأحقية بالخلافة؟ أو على الأقل التقريب بين المسافات في هذه القضية الشائكة؟

- أعتقد أن مسألة الحسم في إشكالية الخلاف حول الخلافة مسألة معقدة، وربما لا تتم إلا بمعجزة.. لكن التخفيف من وطأة الخلاف أمر ممكن على المدى المنظور، وممكن جدًّا على المدى البعيد.

إن ثمة تراكمًا من السلبيات حكم العلاقة بين السنة والشيعة عبر قرون، وكما قلنا لقد كان للسياسة دور قذر في إذكاء الفتنة، فحتى لو أردنا الحسم في هذا الموضوع، فثمة من يملك القدرة على توريط العالم الإسلامي في صراعات بيزنطية وفتن ضارية، الكيان الإسلامي على درجة كبير من الهشاشة.. لذا لا نتوقع حسم إشكالية من له الحق في الخلافة حسمًا تامًّا، بل قصارى ذلك قد نوجد معًا -وبصبر ومسئولية- ثقافة تنضج حالة الاختلاف، وتجعل العقل المسلم أقدر على استيعاب تعدديته وتنوع تعبيراته، هذا هو الحد الأدنى المطلوب، أي أن نتحرك كمسلمين من خلال مدارسنا ومذاهبنا ولا نتحرك كطائفيين؛ فالإسلام هو مقصد المذاهب وغايتها وليس العكس.. وفي ذلك يمكن أن نختلف ونتنوع لكن بدليل.

** أيضًا دعنا أستاذ هاني، نعرج قليلاً على مسألة ولاية الفقيه وعصمة الإمام، فهل فعلاً -فقهيًّا- الإمام معصوم، وقوله لا ينبغي أن تشوبه شائبة؟

- يجب أن نفرق بين الإمام المعصوم في منظور الشيعة الإمامية وهو محصور في أئمة أهل البيت.. وليس مطلق من انتسب للهواشم، وبين الولي الفقيه في زمن الغيبة، فهو يتولى ما كان من اختصاص الإمام بناء على الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط؛ وذلك دفعًا للفراغ وتعطيل الشريعة.

والولي الفقيه هو مجتهد وكفؤ بحسب الشرائط المقررة.. فهو عادل وليس معصومًا؛ لأنه لا وجود لنص يدل على عصمته؛ بينما الإمام -بما أنه ثبت عند الشيعة أنه منصوب لتأويل الشريعة وخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا والدين- وجبت في حقه العصمة وإلا احتمل الخطأ فلا حاجة لجعل إمام غير معصوم.

وهذا دليل لُبِّي له نظائر أخرى غير الدليل القرآني الذي يؤكد على طهارة أهل البيت بالمعنى الخاص وليس العام كما يظن البعض؛ لقوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا". فالتطهير هنا من الذنوب، وهذا لا يتم إلا بالعصمة فضلاً عن أدلة روائية تربط بين القرآن وسيرة أهل البيت المعينين، فالمدار في الخلاف هنا مبني على وجود نصوص عند القوم تفيد ذلك.. فالخلاف في موضوع العصمة هو مصداقي وليس حكمي.

وحيث أثبتنا العصمة لصاحب الدعوة، فإن الخلاف حول ثبوتها في حق أئمة أهل البيت ليس في مقام الشبهة الحكمية.. والحق أننا أعطينا للعصمة مفهومًا غامضًا في عالم الثبوت؛ لذا استشكلنا عليها في عالم الإثبات، ففي تصوري العصمة مفهوم مشكك، فكل عاقل له مقدار من العصمة؛ بل إن العدالة نفسها مرتبة من العصمة.

فالأنبياء حينما فضل الله بعضهم عن بعض، فعل ذلك من كل الجهات، حيث ثمة معصوم وثمة أعصم، فكل عاقل، لا بل حتى في عالم الحيوان هناك أمور لا تنبغي لا يأتيها الحيوان، فهو على مرتبة من العصمة، فالعصمة عنوان معقولية التشريع والتكوين، لكن هذه العصمة تشتد فإذا بها تبلغ بصاحبها مرتبة بها يكون الإنسان نبيًّا وإمامًا.. أي تلك الملكة التي تحول بين المرء والوقوع في المحظور.

إذا فهمنا الأمر كذلك، فليس الخلاف أن ثمة معصومًا وغير معصوم، بل الخلاف في تصوري هو بين عصمة أضعف وعصمة أشد، وعصمة الأنبياء والأئمة بحسب هذا المنظور هي مرتبة عالية بها استحقوا ذلك المقام.. وعمومًا كل بحسبه.

** يتحدث الشيعة عن مصحف فاطمة كمصحف بديل، أولاً ما معنى مصحف فاطمة في المفهوم الشيعي؟ هل معناه أن جبريل عليه السلام كان يأتيها بعد وفاة الرسول الكريم يطيب خاطرها ويُخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، فذاك هو مصحف فاطمة، كما جاء في "بحار الأنوار" الجزء  25؟

- الشطر الثاني من سؤالكم صحيح ومقر.. لكن القول إن مصحف فاطمة بديل، بما أفهم من سياق كلامكم أنه بديل عن القرآن الكريم، فحاشا أهل البيت أن يروا ذلك، فحسب الروايات لا يوجد في مصحف فاطمة آية من القرآن، وإذن هو حصيلة ما حدثت به وكتبه علي بن أبي طالب.. أي بما أنها كانت امرأة محدثة كما جاء في الأخبار، فهي دوّنت ذلك في كتاب سُمّي بعد ذلك بمصحف فاطمة، وحسب الإمام الصادق، إنه لا ينطوي على آية من قرآننا، وليس فيه ما يفيد الحلال والحرام، ولكن فيه أمور تتعلق بنبوءات.

ولا يخفى المكانة التي تحتلها فاطمة في الاعتقاد الإسلامي عمومًا والاعتقاد الشيعي خصوصًا، فهي سيدة نساء العالمين كما في الأخبار، حيث كانت السيدة مريم سيدة نساء عالمها.. وهي محدثة ولها مكانة عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى باب بيتها كان يقرأ قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا".

ولعل الإشكال هنا يتعلق بلفظ المصحف مما يوحي بأن الأمر يتعلق بمصحف بديل، والحق أن المصحف هو اسم أعم من القرآن، والأصل في لفظ مصحف هو ما كان جامعًا للصحف المكتوبة بين الدفتين كما يقال، والقرآن في الأصل لم يكن يسمى مصحفًا إلا بعد أن جمع واحتار المسلمون حول تسميته، بين من رأى تسميته بالسفر، وبين من رأى تسميته بالمصحف، وربما البعض رأى أن كلمة مصحف من أصل حبشي وليس عربي.

هذا أصل اللفظ كما ذهب أبو هلال العسكري والفراء، فأبو هلال يميز في الفروق اللغوية بين معنى الكتاب والمصحف، ويرى أن المصحف يضمن مجموعة من الأوراق بينما الكتاب يضم ورقة واحدة؛ وهذا واضح في تعبير القدامى حينما يقولون: كتب له كتابًا، ويعنون رسالة هي في العادة ورقة واحدة.

المصحف إذن ليس عنوانًا شرعيًّا، بل هو عنوان لغوي.. ومن هنا فمصحف فاطمة لا يؤدي المعنى الذي يعتقده المخالفون للشيعة، بل الشيعة ما فتئوا يذكرون بأن قرآنهم هو قرآن المسلمين الموجود بين الدفتين.. ولو أنك زرت مكتبة آية مرعشي نجفي في مدينة قم، لوجدت مخطوطات للقرآن كتبها الشيعة قبل ألف سنة وأقل، دليل على أن قرآن الشيعة هو قرآن المسلمين.

** يقول فقهاء الشيعة أن للقرآن معاني ظاهرة تخالف الباطن، لتيسر لنا أستاذ هاني هذا المفهوم أكثر؟

- بخلاف من ينكر أن النص له باطن وبخلاف من ذهب أبعد من ذلك فرفض، لا بل كفر من قال بالمجاز في القرآن، فإن الشيعة ترى أن للنص معنى ظاهرًا ومعنى باطنًا، بل إن الإمام الصادق يقول بأن لكل ظهر ظهر ولكل بطن بطن..

المسألة مفهومة اليوم من الناحية الهرمينوتيكية.. هناك ظهورات للنص كما ثمة بطون، وكل يدرك من النص مستوى من المعنى على قدر مداركه.. فهل فهمنا للقرآن هو فهم صاحب الدعوة، أو هل فهم العوام هو من جنس فهم العلماء والخواص؟.. فالاختلاف في مراتب العلم يتعلق بدرجات الظهور والبطون؛ فقد يفهم الظاهري من قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم" أو "كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" بأن لله يدًا ووجهًا، وهذا بخلاف التنزيه.. لكن المؤمن بالمجاز يدرك بأن معنى اليد هنا ليس المعنى الحقيقي الظاهر، بل المقصود المعنى المجازي الباطني، أي اليد بمعنى القدرة.

** يذهب الفقه الجعفري إلى القول بالاستعاضة -اختيارًا- عن قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين بتسبيحات معينة، وهذا يخالف بشكل صريح ما يذهب إليه السنة والأحاديث النبوية التي تبطل الصلاة بغير فاتحة.. كيف تفسرون مثل هذه الصلاة؟ وما رأيكم فيها؟

 - المدار في مثل هذه الموضوعات الفروعية هو الدليل وورود نص في المسألة.. لذا قد تجد أبا حنيفة مثلاً يقول بالاكتفاء بآية واحدة "مدهامتان"، بل ويمكن قراءتها بالفارسية في الصلاة "دوبليك سبيز".. ومثل هذه الاختلافات وما يبدو للمختلف شذوذ لا إشكال فيه مع وجود دليل يسنده؛ فهو شاذ غريب على مذهب فقهي وليس شاذًّا غريبًا عن الإسلام..

مشكلتنا أننا لم ندرس الفقه المقارن لنقف على ألوان من الاختلافات لا عهد بها لعامة الناس وغير المتخصصين، وفي المقام ثمة نص يخير المكلف في قراءة الفاتحة أو التسبيحات في الركعتين الأخيرتين من الرباعية والثالثة من المغرب، فهو بحسب رواية لزرارة عن الإمام الصادق ما يجزي في المقام.. وأن المكلف مخير في أن يأتي الفاتحة أو التسبيحات، وطبعًا أؤكد على أن الأمر يتعلق بالركعتين الأخيرتين، حيث يجب قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين قطعًا، فالمدار هو الدليل، والدليل في المقام هو النص.. والفقه الاستدلالي جدير ببيان وجوه الترجيح في المسألة.

** إذا ما تحدثنا عن العراق وما يجري فيه حاليًّا، ما رأيك في الاقتتال الدائر هناك على أسس مذهبية أساسًا؟ وكيف الفكاك من هذه الفتنة؟

- ما يجري في العراق كارثة كبرى بكل المقاييس.. والجرائم الطائفية الدخيلة على أهل العراق أضافت تحديًا جديدًا، بل وضعًا كارثيًّا يتهدد المجتمع العراقي بحرب أهلية أخطر.. لكن ثمة قوى ممانعة داخل العراق ترفض الانجرار إلى هذا المخطط الغامض، وهذه الفوضى الخلاقة التي فرضت الطائفية على أهالي العراق.

وأنا أعتقد أن هذه الفتنة ستنتهي حتمًا مع استتباب الأمر للعراقيين وخروج الاحتلال، فهذا المطلب غدا واضحًا اليوم.. فالاحتلال أسهم بدوره في تعميق التناقضات الطائفية، وحتمًا سيتعافى العراق من هذه الفتنة؛ لأنه تجاوزها منذ تاريخ بعيد، وتشكلت لديه ثقافة للتسامح والتقارب المذهبي.

وما أريد أن أقوله أيضًا في موضوع العراق.. هو أننا بالتضليل والتزييف الإعلامي لحقيقة ما يجري وقلب الحقائق نخدم استمرارية الاحتلال، وندفع الأطراف المتضررة إلى مزيد من ردود الفعل لا تحمد عقباه؛ المطلوب هو الهدوء والحكمة في معالجة مشكلة العراق.

وأنا على يقين أن الشيعة في العراق وفي العالم لا يرضيهم أن يظلم السنة هناك، فهؤلاء ظلموا ظلمًا فاحشًا من قبل صدام والذي لم يكن يمثل أهل السنة، بل إن اليد المجرمة التي امتدت إلى السيد الشهيد الصدر هي نفسها التي امتدت إلى الشهيد السيد عبد العزيز البدري من رموز الإخوان المسلمين بالعراق.

** تهتمون أستاذ إدريس بالمبحث النهضوي والحضاري للأمة، فهل ترون أنه لا تحقيق لهذا المبتغى إلا عن طريق ما يسميه البعض الإسلام الشيعي؟

- المناط في الاختلاف السني - الشيعي هو الاطمئنان التكليفي، حيث في مجال الاعتقاد لا يجوز التقليد، بل المطلوب هو الاجتهاد، وطبعًا الاجتهاد هنا ليس له حدود، فكل بحسبه.

ففي مجال الاعتقاد المطلوب الاجتهاد بالمعنى العام، فالعامي له نصيبه من الاجتهاد المورث لاطمئنانه.. فكل مسلم اطمأن أكثر لمدرسة إسلامية ووجد أدلتها مطمئنة ومبرأة للذمة وجب عليه الأخذ بها من باب الدليل.

لذا المشكلة ليست في الاختلاف، بل في أن يخالف المكلف لمجرد التقليد، لكن هذا لا يمنع من صياغة منظور حضاري ونهضوي مشترك بين المسلمين.. فالمسألة الأساسية في سؤال النهضة هي كيف نتقدم؟.

وهذا السؤال يفترض جوابًا محايدًا.. فهو يتصل بسنة التحول والتقدم، وهو بهذا المعنى سؤال الأمة جميعًا بجناحيها السنة والشيعة؛ فقد يكون المسلم متخلفًا في بيئة وقد يكون متقدمًا في أخرى، سواء أتعلق الأمر بالسنة أم الشيعة.

لذا جاء عنوان مشروعي: التبني الحضاري والتجديد الجذري، فالإسلام يعرض نفسه تارة بمعناه التكليفي الشخصي، حيث الغاية منه أن يبرئ ذمة المكلف.. فأن تكون بريء الذمة وتدخل الجنة لا يعني أن تكون بالضرورة متقدمًا، قد تكون متخلفًا في المعاش، ولكنك مسلم.

غير أن المطلوب في سؤال النهضة أن نتبنى الجانب الحضاري من الإسلام، حيث براءة الذمة الجماعية إزاء فعل التقدم وتحقيق القوة للأمة لا يحجبه إبراء الذمة التكليفية الشخصية..

في هذا الإطار وضعت تصورًا يمكن أن تتقدم به الأمة بمختلف اتجاهاتها وشرائحها، بل هو منهاج وقواعد للتفكير والنظر محايد جدًّا. من هنا فالحديث عن النهضة الإسلامية يتجه إلى الأمة برمتها. وبالتأكيد لا نهضة للأمة إلا بسنّييها وشيعييها. وليست النهضة طائفية ومذهبية.

** نحط الرحال إلى المغرب لو أذنتم أستاذ إدريس، فهل يمكنكم إقرار وجود تغلغل شيعي بالمغرب حاليًّا؟

- المسألة هنا أعطي لها حجم أكبر من الواقع. مرة أخرى نتحدث عن الإعلام وعن مبالغاته وأحيانًا تعسفه. والحديث عن التغلغل يوحي بأن ثمة مخططًا وغزوًا وما شابه، مما يجعلني أتأسف على الطريقة التي يتم بها تصور الموضوع. كل ما هنالك وجود قناعات قد تجدها عند هذا الشخص أو ذاك. تزيد أو تنقص في مستوى الاعتقاد. ومثل ذلك له نظائر في العالم الإسلامي. في ظني ليست المشكلة هنا، حيث لا أحد يملك أن يسيطر على تفكير الناس بأي وسيلة من الوسائل. بل إن مثل هذه المواقف المتشنجة هي التي تجعل الناس تلتفت أكثر إلى هذا الموضوع. إذن لا قيمة للانفعال والتشنج، لا سيما ونحن ندرك أن الكثير من الناس بحكم الانفتاح وتضخم المعرفة عبر الإنترنت والفضائيات ومظاهر عولمة المعلومة، يتبنون أفكارًا أخرى. لماذا لا يتم التركيز على مسألة التنصير مثلاً.. ولماذا لا يتم التركيز على أنواع من الثقافات الإلحادية التي يتغذاها شبابنا صباح مساء. هل نمنع الإنترنت والفضائيات ونوقف زحف العولمة. أعتقد أن ثمة مبالغة في الموضوع، ويجب حينئذ أن نكون في مستوى تحديات فوضى العولمة ولا نعطي الأشياء أكثر من حجمها الطبيعي.

** كيف ترون تعاطي الحركات الإسلامية بالمغرب لظاهرة التشيع فيها؟

- الحركة الإسلامية إزاء هذا الموضوع مختلفة. لكنهم أكثر من الإعلام نفسه لا يحسنون قراءة الأمور. هناك الكثير مما يجري في كواليس الحركات الإسلامية في المغرب، وهو مبالغ فيه. بل ثمة الكثير من التحرشات والوشايات والتصرفات غير المعقولة في هذا المجال. لكن لا وجود لمن يصرح بموقفه، وهذا على الأقل أمر إيجابي. لأن من شأن أي موقف خاطئ أن يثير ردود فعل غير محسوبة. ومع ذلك يمكننا الحديث في المغرب عن إسلاميين ناضجين ولا نتحدث عن حركات إسلامية ناضجة.

** كلمة أخيرة لموقع إسلام أون لاين؟

- ما أريد التأكيد عليه هو أن رسالة الإعلام مهمة في هذا المجال. وأن منبع المشكلات يأتي من الإعلام. فهل أمكننا أن نجعل الإعلام نفسه يؤدي رسالة الجمع بدل التشتيت والتقريب بدل التفريق.. وفي ظني أن موقع إسلام أون لاين هو من نوع الإعلام الهادف والرزين والعقلاني؛ لذا كانت رسالته ثقيلة ومضاعفة. ووحدة الأمة وتقدمها هي أمانة في أعناقنا وأعناقكم سواء بسواء.

 
أرسل لصديق أرسل لصديق

«

ابحث

«

بحث متقدم