islamaumaroc

الخطاب الأول لجلالة الملك الحسن الثاني

  دعوة الحق

37 العدد

شعبنا العزيز
أخاطبك والجرح لا يزال طريا، والنفوس ما فتئت تذوب حسرة وكمدا على فقد جلالة ملكنا المقدس وأبينا المرحوم محمد الخامس أسكنه الله جنانه الذي فاجأتنا المنية باختطافه ونحن أحوج ما نكون إليه لإكمال الرسالة السامية التي وقف حياته على تبليغها. ولكن «أجل الله إذا جاء لا يؤخر» فلا يسعنا إلا التسليم والرضى بقضاء الله لننال ثواب المحتسبين الصابرين (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
وبعد اليوم العظيم الذي خرجت الأمة جمعاء تبكي فيه وتندب فقيدها الحبيب وتشيعه إلى الملاء الأعلى، وفي هذه الأوقات الرهيبة التي تتحد فيها مشاعرنا، ونتجه بقلوبنا نحو الرجل الذي قاد كفاحنا، ووهب حياته لتحريرنا وترقيتنا وإسعادنا، ويظهر فيها بمنتهى الوقار والجلال تفانيا في حبه ووفاؤنا لذكراه –أعلن لك شعبي العزيز أنني أمسكت معتمدا على الله مقاليد الملك، وتربعت على عرش أسلافي المنعمين تلبية للإرادة الاجماعية التي تمثلت في بيعتك لي، وتنفيذا لعهد جلالة ملكنا المرحوم، وإرضاء للواجب الوطني المقدس.

معاهدة الله والشعب
وإنني أعاهد الله وأعاهدكم على أن اضطلع بمسؤولياتي وأؤدي واجبي طبق مبادئ الإسلام وقيمه السامية، وتقاليدنا القومية العريقة، ومقتضيات مصلحة الوطن العليا، كما أعاهد الله وأعاهدكم على أن أدافع عن حوزة الوطن واستقلاله وسيادته، وأحرص على وحدته وإعلاء شأنه بين الدول.
المحافظة على المكاسب القومية وتنميتها
وسأسعى كل السعي لاحذوا حذو جلالة والدي المرحوم في خدمة الشعب ورعاية حقوق أبنائه وحرياتهم ومصالحهم، والمحافظة على المكاسب القومية والعمل لتنميتها، وبذل كل جهد لتحقيق تقدم الأمة وتمهيد سبل النهوض والسعادة والرخاء أمامها.

التزام وصايا وتعاليم الملك الراحل
وانه لعبء ثقيل اقدره حق قدره، ولكني عازم على النهوض به بما يجب من الجد والحزم، والحكمة والتبصر، مستوحيا من روح والدي المنعم، مقتبسا من أشعة رسالته الخالدة، متخلفا بالأخلاق التي رباني عليها، ملتزما وصاياه وتعاليمه سالكا مسلكه في الحلم والعدل، وجلب كل خير لكم، ودفع كل أذى عنكم، واعتباري إياكم أبناء قبل اعتباركم رعايا، مستقويا الضعيف حتى آخذ الحق منه، معتنيا بشؤونكم مدافعا عن مصالحكم وأنا ملككم، مثل عنايتي بها ودفاعي عنها وأنا أمير بل فرد منكم نشأ وترعرع بينكم، وقاسمكم مشاعركم وعواطفكم، وشاطركم السراء والضراء.

كل واحد خير معين
وان الذي يقويني على النهوض بأعبائي، ويجعلني أواجه مسؤولياتي متفائلا مستبشرا هو يقيني بأن محبتكم لي ستقوي بإضافتكم محبة والدي إليها، وان كل واحد منكم سيكون لي خير معين.
مثل ما كان له، إننا سنواصل السير الحثيث بالمغرب العزيز إلى الأمام في طريق التقدم والازدهار، ونحن متمسكون بما خلفه جلالة الملك المرحوم وبثه فينا من وحدة في القلوب والصفوف وانسجام في الفكر والعمل، وصفاء سريرة وخلوص نية، تلك الخصال التي ذللنا بها تحت قيادته الرشيدة كل صعب واجهناه وانتصرنا في كل نضال خضناه وشيدنا للوطن صرح المجد والعزة والكرامة.

الشعب المجيد العظيم
شعبنا العزيز
لم تفتأ وقائع التاريخ تبرهن على أن الشعب المغربي شعب مجيد عظيم، تزخر عبقرياته. وتترادف معجزاته، وتتوالى آياته، وإذا كان من تعليل لبقائه على الدهر وصموده أمام جميع العواصف وخروجه منها عالي الرأس موفور الكرامة فهو ما يتحلى به أبناؤه من فضائل ومروءات، وما يسودهم على الدوام ولا سيما في الأوقات العصيبة من إخاء وتعاطف، وتراحم وتسامح، وتضامن وتعاون، واجتماع كلمة ووحدة صف، واحترام للكبير، وحنو على الصغير، وشدة باس وبعد نظر، وتمسك بالقيم الروحية السامية والتقاليد السليمة، فليحافظ كل فرد من شعبي على هذه الأخلاق، وليبرهن على وعيه ونضجه ومعرفته بحقوق المواطنة وواجباتها، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه، وليجعل الإخلاص شعاره في العمل سواء كان موظفا أو مثقفا أو تاجرا أو فلاحا أو صانعا أو عاملا، فإنما الأمم بأخلاقها لا بوفرة أعدادها.
وذلك ما يوجبه علينا حق الوفاء لذكرى فقيدنا العزيز. والمحافظة على التراث العظيم الذي خلفه أمانة بين أيدينا.
اسأل الله أن يتغمد فقيدنا الحبيب في أوسع رحمته ورضوانه، ويرزقنا عليه حسن الصبر وجميل العزاء، ويحفظ أمتنا ويرعاها، ويكون لي ولكم وليا ونصيرا.
(واعتصموا بحبل الله جميعا) (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم)
الرباط 15 رمضان المعظم 1380 الموافق 3 مارس 1961

 


العدد الأخير

This is a SEO version of Numero 404 Page 1
To view this content in Flash, you must have version 8 or greater and Javascript must be enabled. To download the last Flash player click here

العدد ما قبل الأخير

This is a SEO version of Numero 400 Page 1
To view this content in Flash, you must have version 8 or greater and Javascript must be enabled. To download the last Flash player click here