بلدة الرميلة اللبنانية طبيعة خلابة ومعالم أثرية تروي حكايا قرون من الزمن

عبد معروف
حجم الخط
0

تعتبر الرميلة واحدة من أجمل البلدات اللبنانية، لما تتميز به من طبيعة خلابة ومعالم تراثية وأماكن أثرية وتاريخية تروي حكايا قرون من الزمن، ساهمت خلالها البلدة في النهضة الفكرية والحضارية التي شهدتها المنطقة منذ العهود القديمة وحتى الآن.
تقع الرميلة في قضاء الشوف أحد أقضية محافظة جبل لبنان، من قمة جبل تنحدر باتجاه الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا، قرب نهر الأولي عند مدخل مدينة صيدا الشمالي،
وتتميز البلدة بامتدادها بشكل انحداري من الجبل إلى الساحل البحري، وتعتمد على الزراعة والنشاط السياحي على الشاطئ البحري حيث أنشئ عدد من المسابح والمطاعم الحديثة التي يؤمها الزوار والمتنزهون والمسافرون والسياح من جميع أنحاء لبنان.
والرميلة هي أيضا بلدة لبنانية تاريخية كتب عنها وعن تاريخها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في العديد من الكتب والمخطوطات التاريخية التي تناولت تاريخ المنطقة، وهي أيضاً مسقط رأس العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والفكرية المعروفة، ويأتي الزوار إلى البلدة لزيارة معالمها التاريخية والأثرية، وللتمتع بجمالها العمراني التاريخي، وللاستمتاع بالطبيعة البكر، ولتناول الأطباق اللبنانية الشهية في المطاعم التقليدية.
وتشير تقارير المكتبة العامة التابعة للبلدية، إلى أن أصل التسمية يعود لطبيعة المنطقة الرملية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وما زالت إلى اليوم منتجعاتها على طول الشاطئ مقصدا للبنانيين من كافة المناطق.
وبعد سنوات الحرب الأهلية، تعاون سكان البلدة مع فعالياتها من أجل رفع مخلفات الحروب وإعمار ما تهدم، وإحياء المناسبات وإقامة المهرجانات السياحية، وتنظيم الحفلات وإقامة التماثيل المنحوتة من صخور أحراج البلدة، والموزعة على جوانب الطرقات والساحات العامة وأمام المؤسسات الرسمية.
يقول ربيع داغر مختار الرميلة: «منذ سنوات ما بعد الحرب الأهلية(1975-1990) عملت الرميلة على الانماء السياحي والبيئي في البلدة، فأقامت المسابح والمنتجعات السياحية والمطاعم والمقاهي على طول الشاطئ، حيث تتميز بأنها منطقة ما بين بيروت وجنوب لبنان لذلك هناك نشاط سياحي بارز».
ويؤكد داغر أنه إلى جانب المعالم التاريخية والأثرية في البلدة، فقد عملت البلدية بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والدوائر الحكومية المعنية على نظافة البلدة وإقامة التماثيل والنصب التذكارية، وترميم المساكن والطرقات.
ويؤكد أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور روي البستاني أن بلدة الرميلة لها تاريخ عريق وشهدت طوال العقود الماضية ما شهده لبنان من تطور سياحي وفكري وثقافي وتربوي واقتصادي، كما شهدت الحروب والمعارك.
وأضاف البستاني لـ«القدس العربي» تتوزع بين أحيائها المعالم الأثرية والنصب التذكارية التي تم نحتها من صخور البلدة، وتشتهر بالصخور الناتئة الضخمة حيث كتب عليها الأحرف الأبجدية.
ويشير البستاني إلى أن البلدة تعرضت خلال سنوات الحروب لتدمير منازلها وهدم بعض معالمها وهجرة سكانها، والاعتداء وتحطيم نصبها التذكارية، لكن اليوم عادت الحياة إلى طبيعتها وهناك برامج تنموية واسعة.
وقال «صخور البلدة وجدران منازلها ومؤسساتها العامة تروي حكايات السنين الماضية، وتعتبر هذه الصخور والأبنية مبعثا للجمال والرقي وتساهم في تشجيع اللبنانيين والعرب لزيارة البلدة للاطلاع على جمال طبيعتها ومعالمها والتعامل مع سكانها الذين يرحبون ويكرمون الضيف».
وقبل الساحل عند المنحدرات الجبلية في بلدة الرميلة، هناك معالم تشتهر بها الرميلة، يستمتع الزائر برؤيتها والجولة حولها، مثل مزار مار الياس الحي الذي تم بناؤه عام 1600 م، وتقول كتب التاريخ في المكتبة العامة التابعة للجامعة اللبنانية، أن هذا المزار كان مدرسة، ثم تحول إلى كنيسة، إلى أن تهدم بسبب زلزال ضرب المنطقة منتصف القرن الماضي، ليبقى منه هذا المزار الذي أعيد ترميمه خلال سنوات ما بعد الحرب الأهلية.
ومن المعالم التاريخية في بلدة الرميلة أيضا، كنيسة مار انطونيوس الأثرية وسط البلدة التي تعرضت خلال الحروب التي شهدها لبنان للاعتداءات والتخريب، ومعارك عديدة في محيط الكنيسة وما زالت أحجارها الضخمة تروي حكاياتها مع الزمن.
وبالأساس كانت كنيسة مار انطونيوس، مسجدا للمسلمين، وبعد معارك في المنطقة تسلم المبنى فعاليات من الطائفة المسيحية وما زال أبناء البلدة يقدسون فيها ويؤدون شعائرهم الدينية منذ العام 1950 وإلى الآن.
إلى جانب الكنيسة القديمة هناك كنيسة لشفيع البلدة تم بناؤها عام 1950 والمناظر بين الكنيستين جميلة وخلابة، وتطل على مساحات واسعة من البساتين المزروعة على طول الساحل.
وعند أطراف الرميلة، حدود نهر الأولي، معبد أشمون الأثري، ويطلق عليه «معبد السماء» الذي ما زالت به الهياكل الرومانية وآثار الكنيسة البيزنطية، ويقال أنها أول كنيسة في لبنان.
ويقع معبد أشمون على مرتفع يشرف على نهر الأولي بالقرب من الجسر المعني القديم في أرض يطلق عليها بستان آل الشيخ ويعود للإله أشمون، وقد بني أيام الملك بدعشترت بن تبنيت ملك صيدا في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد الذي بناه للإله أشمون الأقدس.
وتعمل مديرية الآثار اللبنانية على إظهار معالم هذا الهيكل الرائع إلى عالم الوجود إذ تجري عمليات التنقيب رغم ما يتعرض له لبنان من انهيار مالي واقتصادي وإداري.
ومن المعالم الأثرية والتاريخية عند الأطراف الجنوبية لبلدة الرميلة، مقام شرحبيل بن حسنة، ويشير المؤرخ اللبناني منير الخوري في كتابه «حقب التاريخ» الصادر عام 1966 إلى أن مقام شرحبيل بن حسنة جنوب الرميلة يعود إلى الصحابي الجليل والقائد البطل الذي اشترك في فتح صيدا صحبة القائد يزيد بن أبي سفيان، إذ أقام هذا القائد بعد أن تم فتح بلاد الشام في صيدا حتى توفي ودفن في المكان الذي أقيم على أرضه وفوق القبر بيت مربع الشكل تعلوه قبة مستديرة في بستان يشرف على الساحل من الجهة الشرقية الجنوبية (الحبابية) لافتا إلى أن هذا المقام هو من أبرز المعالم التاريخية في المنطقة وساهم في تنشيط الحركة السياحية في المنطقة.
وبرأي الكاتب الخوري «يعود مقام شرحبيل بن حسنة والبستان المجاور له قرب بلدة الرميلة إلى أسرة آل البابا ووكيله المشرف عليه بعد ذلك السيد محمود البابا».
ومن الأحياء العليا لبلدة الرميلة باتجاه الساحل طرق متعرجة تكسوها الأشجار والورود، والمنتزهات، والنوادي الرياضية وجمال الطبيعة وأماكن الترفيه والمقاهي، وأحراج بلدة الرميلة زرعت بأشجار الليمون والحمضيات وأشجار الزيتون المعمرة.
والمشاريع السياحية والمعالم الطبيعية والأثرية على طول شاطئ بلدة الرميلة، المنتجعات والفنادق والمقاهي الفخمة معالم تنبض بالحياة، وعلى امتداد الطرقات وعند التقاطعات الفاصلة بين أحياء البلدة وبين أحيائها العليا في الجبل إلى الأحياء على طول الساحل توزعت المعالم التراثية والتماثيل المنحوتة من الصخر، لتعطي الرميلة جمالا فنيا وتراثيا وسياحيا رائعا.
بلدية الرميلة كان لها تأثير إيجابي على الأهالي ووضعها رئيسها الحالي على الخريطة السياحية والإنمائية بتنفيذ مشاريع حيوية لتثبيت المواطنين في أرضهم وبلدهم واستطاع أن يحد من الحرمان الذي عاشته البلدة بشكل عام طيلة عقود من الزمن وذلك بمشاركة المجتمع الأهلي والمدني بالحضور الاجتماعي والإنمائي شبه المعدوم من الدولة اللبنانية.
كما استطاعت البلدية تحويل البلدة رمزا للعيش المشترك بأجراس كنسيّة تعانق دائماً آذان مساجد البلدات المجاورة التي لا تبعد عن بلدة الرميلة سوى أمتار.
وبتعاون ملحوظ بين الأهالي ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات تمكنت الرميلة من ثبيت الاستقرار الاجتماعي والأمني واعتمدت استراتيجية ناجحة بأن تكون مضيفة لجميع الطوائف والأديان.
وقد شهدت الرميلة منذ مئات السنين حروبا ومعارك طائفية وأهلية واعتداءات، أدت إلى تدمير منازلها ومعالمها مرات عديدة، كما أدت الحروب عبر السنوات الطويلة إلى هجرة واسعة لسكانها، منهم من غادر البلدة إلى مناطق لبنانية أكثر أمنا ومنهم من هاجر إلى الدول الأوروبية والقارة الأمريكية واستراليا.
ويسلط كتاب منير الخوري الضوء على المناطق المجاورة لمدينة صيدا ومنها الرميلة زمن الحرب الطائفية في البلاد عام 1860 ويذكر منير الخوري في كتابه، على إثر المجازر الطائفية البغيضة في جبل لبنان وجبل الشوف ومنها بلدة الرميلة، سنة 1860 هرع عدد من الفلاحين المسيحيين من أبناء البلدة والبلدات المجاورة إلى داخل مدينة صيدا، وتمكن بعض من دخل والتجأ إلى خان الإفرنج من النجاة بينما غالبية من وصل إلى الضواحي وتأخر عن دخول المدينة تعرض للقتل.
وذكر كيران السائح الفرنسي أن عددا كبيرا من المسيحيين ذبح في بساتين صيدا من قبل الدروز.
أما من دخل المدينة فقد بسط عليهم حمايته ديركالو القنصل الفرنسي في المدينة وأنقذهم من موت محتم وساعده في ذلك عدد من زعماء المدينة المسلمين.
رئيس بلدية جورج الخوري، أكد أن تاريخ البلدة حافل بالأعمال العسكرية والاعتداءات، وكانت خلال سنوات الحرب الأهلية ميدانا للمعارك بين المسلحين، وكانت هذه الأعمال سببا في تعطيل الحركة في البلدة، وهجرة سكانها، وعرقلة تطور الحياة، مضيفا، لكننا اليوم نريد الحياة ونعمل من أجل العلم والتطور والمحافظة على البلدة، ومساعدة الأهالي على تحمل مصاعب الحياة والظروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيون عامة.
مضيفا، لذلك نعمل اليوم من أجل وضع الخطط والبرامج التنموية والبيئية والتربوية والسياحية، لتكون البلدة نموذجا للحياة الجميلة الهادئة والعيش المشترك.
تجولت «القدس العربي» داخل أحياء الرميلة وبين أزقتها وفي شوارعها من الطريق الساحلي قرب شاطئ البحر وحتى قمة الجبل الذي تنحدر منه الأحياء، حيث الطبيعة الخلابة والهواء الطلق والمعالم الأثرية والمساحات الخضراء والطرقات الواسعة تكسوها الأزهار والأشجار، وأهالي البلدة الطيبون يبتسمون ويرحبون بالضيف بأجمل العبارات، بدت على وجوههم الراحة والأمان والاستقرار، وخيرات قروية عرضت أمام المحلات التجارية، كلها معالم تحاول نسيان الماضي الأليم وحروب وأحداث مؤسفة شهدتها البلدة خلال العقود الماضية، وتحاول التغلب على مصاعب حياة يعيشها اللبنانيون عامة تصل إلى حد الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي والأمني، لكن معظم أهالي الرميلة متفائلون، وهم متمسكون بالبقاء في وطنهم وبلدتهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية